الجلوكوما (الماء الأسود)

الجلوكوما، داء الزرق أو الماء الأسود كما يطلق عليه، إحدى الأمراض العينية التي قد تعمل على إلحاق الضرر بأنسجة العصب البصري والعمى الكامل مع مرور الوقت. لا يعاني المريض في أوائل الإصابة بهذا المرض من أي عارضة أو علامة، ومع مرور الزمن تبدأ حدة ومعدل الرؤية بالانخفاض تدريجياً إلى العمى الكامل في النهاية. يمكن للعلاج المبكر الحد من تدهور وتفاقم علائم هذا الاختلال وبالتالي انخفاض حدة الرؤية عند المريض.

العصب البصري

يتشكل العصب البصري من أكثر من مليون عصب موزعة على شكل مجموعات. يصل العصب البصري الشبكية (الطبقية الرقيقة والحساسة للضوء الواقعة في القسم الخلفي من كرة العين) بالدماغ (الشكل 1). وللحصول على معدل وحدة رؤية جيدة، من الضروري تمتع العصب البصري بالسلامة الكاملة وعدم ابتلاءه بالأمراض.

 

الشكل (1)

آثار الجلوكوم على العصب البصري

يعمل ازدياد الضغط داخل العين على الإصابة بالجلوكوما أو الزرق في أكثرية الحالات. يطلق على الناحية الواقعة بين العنبية والقرنية اسم "الغرفة الأمامية". يوجد داخل هذه الغرفة سائل شفاف في حالة من الدوران الدائم يتعهد وظيفة تروية وتغذية الأنسجة المجاورة. تسمى النافذة التي يتم تصريف السائل منها باسم "الزاوية" والواقعة في مكان التقاء القرنية مع القزحية (الشكل 2). عندما يصل السائل الشفاف إلى هذه الزاوية يتم تصريفه إلى خارج العين عن طريق مجموعة من الأنابيب التي تعمل كالأسفنجة.

الشكل (2)

أخذ الجلوكوم مفتوح الزاوية هذه التسمية عند إصابة الشخص بالجلوكوم مع أن الزاوية المسؤولة عن تصريف السائل الزجاجي مفتوحة. ومع ذلك ولأسباب غير معروفة تتباطئ سرعة تصريف السائل الزجاجي عبر الزاوية. ويعمل تباطئ حركة السائل على تجمعه داخل غرفة العين الأمامية وازدياد ضغط العين، وبالطبع لارتفاع ضغط العين آثاره السلبية على العصب البصري وتناقص حدة الرؤية.

من هم المعرضين للإصابة بالجلوكوما؟

  • الأشخاص فوق سن الأربعين
  • الأشخاص الذين يعاني أحد أفراد عائلتهم من الجلوكوما

علائم وأعراض الجلوكوما

لا يعاني المصابون بالجلوكوم مفتوح الزاوية في أوائل المرض من أي علامة أو عارضة، فحدة الرؤية طبيعية ولا يوجد أي شعور بالألم. ومع تدهور وتفاقم المرض، يبدأ المريض بالشعور في عدم قدرته على تشخيص وتمييز الأشياء والأجسام الموجودة حوله والتي تحتاج إلى حدة رؤية محيطية في حين يمكنه وبدقة التعامل مع الأجسام الواقعة أمامه مباشرة.

وقد تتفاقم حالة الجلوكوما أو الزرق في حال عدم علاجه تدريجياً حتى يشعر المريض فجأةً بأنه لا يمتلك رؤية محيطية إطلاقاً. أي وبعبارة أخرى تماماً كالذي ينظر من داخل أنبوب، حيث يمتلك المريض حدة رؤية جيدة في المركز تتناقص على الحواف تدريجياً. ومع تدهور الحالة المرضية، قد يفقد المريض أيضاً الرؤية المركزية ويصاب بالعمى الكامل. (الأشكال 3 و 4)

                   
 الرؤية الطبيعية الرؤية عند المصابين بالجلوكوما

 

                                                                                                                           

تشخيص الجلوكوما أو الزرق

يعتقد الكثيرون أن المصابين بالجلوكوما أو الزرق أو الماء الأسود يعانون في النتيجة من ارتفاع ضغط العين، إلا أن هذه المعلومة ليست صحيحةً دائماً. أي وبعبارة أخرى، يعمل ازدياد ضغط العين على رفع احتمال الإصابة بالجلوكوما أو داء الزرق. لذلك ارتفاع ضغط العين لا يعني بالضرورة الإصابة بالجلوكوما في بعض الحالات.

فالإصابة بالجلوكوما أو عدم الإصابة بهذا الاختلال على إثر ارتفاع ضغط العين، يرتبط بمعدل تحمل العصب البصري ومقاومته للضغط العالي داخل العين حيث يختلف من شخص ومن مريض لآخر. يتراوح الضغط الطبيعي داخل العين من 12 إلى 21 ميلي متر زئبقي، وقد يعاني بعض الأشخاص من أعراض الجلوكوما أو داء الزرق مع أن معدلات ضغط العين داخل المحدودة الطبيعية وهذا إن دل يدل على أهمية وضرورة المعاينة الطبية العينية لتشخيص الجلوكوما في الموعد المناسب.

يعمل طبيب العينية المتخصص لتشخيص الجلوكوما أو الماء الأسود بالفحوصات التالية:

  • حدة الرؤية (Visual Acuity): يعمل هذا الفحص على تحديد حدة الرؤية الخاصة بالمريض من مسافات مختلفة من خلال الاعتماد على لوحات بصرية متعددة.
  • المجال البصري: يقوم الطبيب في هذا الفحص على قياس الرؤية المحيطية (الجانبية) للمريض. ومع الأخذ بعين الاعتبار أن فقدان الرؤية المحيطية التدريجية إحدى أهم علائم الإصابة بالجلوكوما، يساعد هذا الفحص على تشخيص الإصابة بالمرض.
  • اتساع الحدقة: في هذا الفحص وبعد الاستفادة من قطرات خاصة، يتم توسيع قطر الحدقة إلى حد يسمع فيه للطبيب بفحص ألياف العصب البصري في قعر العين بدقة. وبعد انتهاء الفحص من الممكن أن يعاني المريض من ضبابية في الرؤية القريبة المدى لمدة من الزمن تزول تدريجياً.
  • قياس الضغط (التونومتري): يتم في هذا الفحص قياس ضغط السائل داخل كرة العين.

علاج الجلوكوما

مع أنه لا وجود لعلاج نهائي للجلوكوما أو داء الزرق، إلا أن التقنيات العلاجية الرائجة الاستخدام لعلاج الجلوكوما، تعمل على الحد من علائم المرض وتمنع إلى حد كبير من تفاقمه وتدهوره التدريجي وهنا تبرز أهمية وضرورة تشخيص الإصابة بداء الزرق في المراحل المبكرة للحد من آثاره الضارة على حدة ومعدل الرؤية. يعمل أكثرية الأطباء المتخصصين على علاج الجلوكوما بعد التشخيص مباشرةً بالاعتماد على الأدوية الخافضة لضغط العين إلا أن الأبحاث الطبية الجديدة أشارت إلى إمكانية استبدال العلاج الدوائي بالتقنيات الجراحية الليزرية حيث تعد التقنيات الجراحية من العلاجات المؤثرة والآمنة.

تتضمن تقنيات علاج الجلوكوما أو الماء الأسود الموارد التالية:

  • العلاج الدوائي: من أكثر التقنيات العلاجية استخداماً لعلاج الجلوكوما في أوائل مرحلة التشخيص. وتتضمن الأدوية المستخدمة لعلاج الجلوكوما القطرات العينية والأقراص الفموية أيضاً، ويعمل كلا النوعين من الأدوية على تخفيض الضغط داخل العين من خلال تخفيض معدل إنتاج السائل داخل العين أو عن طريق المساعدة في زيادة تصريف السائل الموجود إلى خارج العين. يمكن الاستفادة من الأدوية المضادة للجلوكوم لعدة مرات يومياً. ولا يسبب الاستفادة من هذه الأدوية أي نوع من الأعراض الجانبية للمرضى في أكثرية الحالات إلا أنها قد تسبب عند البعض آلام في الرأس أو بعض الأعراض الجانبية الأخرى على بقية أعضاء الجسم. يمكن للقطرات العينية أن تسبب حرقة واحمرار العين. من الضروري تعاطي أدوية الجلوكوما طالما أنها تعمل على تخفيض الضغط داخل العين. للأسف يقوم أكثرية المرضى بقطع الاستفادة من أدويتهم دون استشارة الطبيب المعالج أو وضعها داخل الثلاجة ونسيانها لعدم امتلاك داء الزرق أي عارضة مهمة في أوائل تشخيصه.
  • الجراحات الليزرية: تساعد العمليات الجراحية الليزرية على تصريف السائل داخل كرة العين وتخفيض ضغط العين إلى معدلاته الطبيعية. وبالطبع يمكن الاستفادة من التقنيات الليزرية في علاج الجلوكوما أو الماء الأسود في أي وقت كان إلا أن أكثرية الأطباء تفضل اللجوء إلى التقنيات الليزرية بعد امتحان العلاجات الدوائية وتأثيرها على الحالة المرضية. يضطر أكثرية مرضى الجلوكوما لاستخدام العلاجات الدوائية حتى بعد الاعتماد على التقنيات الليزرية في تخفيض ضغط كرة العين.
  • التقنيات الجراحية الرائجة: تهدف التقنيات الجراحية المستخدمة في علاج الجلوكوما أو داء الزرق إلى استحداث مكان جديد لخروج السائل المتواجد داخل كرة العين بهدف تخفيض ضغط العين إلى المعدلات الطبيعية. وبالطبع يمكن الاستفادة من التقنيات الجراحية في علاج الجلوكوما أو الماء الأسود في أي وقت كان إلا أن أكثرية الأطباء تفضل اللجوء إلى التقنيات الجراحية بعد امتحان العلاجات الدوائية والليزرية وفشلها في الحد من أعراض وآثار الجلوكوما على حدة ومعدل الرؤية. يخضع المريض لعملية تخفيض ضغط كرة العين الجراحية في العيادات أو غرف العمليات التابعة لمستشفى نور الطبي التخصصي في طب العيون والواقع في العاصمة الإيرانية طهران. في بداية العملية الجراحية يتم منح المريض مجموعة من الأدوية المهدئة تعمل على تهدئة المريض ومن ثم يتم تخدير العين من خلال حقن المواد المخدرة على أطراف العين موضعياً.

يعمل الجراح على إزالة قطعة صغيرة من نسيج الصلبية (الطبقية البيضاء من العين) مما يؤدي إلى استحداث قناة صغيرة تسمح للسائل بالعبور من داخل كرة العين إلى الخارج، ومن ثم يغطي الجراح القناة الناتجة بطبقة رقيقة وشفافة من الملتحمة. يتحرك السائل داخل القناة إلى أسفل الملتحمة التي تغطيها ومن ثم إلى خارج كرة العين تماماً كالموضح في الأشكال 5 و 6.

          الشكل (5)

 

ويتوجب على المريض الاستفادة من قطرات المضادات الحيوية والمضادة للالتهاب لعدة أسابيع بعد العملية الجراحية للحد من الانتانات، الالتهابات والتورم المحتمل. ومن الضروري الأخذ بعين الاعتبار بأن القطرات المستخدمة في هذه الحالة تختلف عن القطرات سابقة الاستفادة من قبل المريض والمستخدمة في علاج الجلوكوما. كما يتوجب الإشارة إلى ضرورة خضوع المريض خلال الأسابيع الأولى بعد العملية الجراحية للفحوصات الدورية المنظمة.

تتراوح معدلات نجاح عمليات تخفيض ضغط العين الجراحية لدى بعض المرضى من 80 إلى 90 بالمئة. ومع ذلك وفي حال انسداد قناة التصريف المستحدثة لأي سبب كان، قد يضطر الأطباء إلى القيام بعملية جراحية أخرى لإعادة فتحه. وتصل معدلات نجاح هذه الجراحة إلى حدها الأعلى في حال عدم خضوع المريض في السابق لأي عملية عينية جراحية أخرى كعمليات الساد الجراحية وغيرها.

ومن الضروري هنا الإشارة إلى أن عمليات الجلوكوما الجراحية تعمل على حفظ حدة رؤية المريض الحالية ولا تعمل على تحسينها على الإطلاق. في الحقيقة، يمكن أن تسبب العملية الجراحية انخفاض حدة الرؤية عند المريض لدرجات معينة إلا أن عدم الخضوع لهذه العملية الجراحية وعلى المدة الطويلة قد يسبب فقدان المريض لحاسة النظر نهائياً.

              الشكل (6)

 

لعمليات الجلوكوما الجراحية تماماً كبقية العمليات الجراحية مجموعة من الأعراض والآثار الجانبية. ويمكن تلخيص هذه الأعراض على الشكل التالي: الكتاراكت، اختلالات القرنية، الالتهابات أو الانتانات داخل العين وورم الأوعية الدموية خلف العين. وبالطبع يوجد لكل عارضة مذكورة في الأعلى علاج دائم ومؤثر يساهم في تخفيف العلائم.

أنواع الجلوكوما الأخرى

مع أن الجلوكوما مفتوحة الزاوية من أكثر أنواع الجلوكوما أو داء الزرق انتشاراً بين المرضى، إلا أنه يوجد للجلوكوما عدة أنواع أخرى أيضاً:

  • الجلوكوما التوتر المنخفض أو جلوكوما توتر العين الطبيعية: في هذا النوع من الجلوكوما أو الماء الأسود، يعاني المريض من آثار وأعراض الجلوكوما من انخفاض في حدة الرؤية مع وجود ضغط طبيعي داخل كرة العين. وتستخدم التقنيات العلاجية الخاصة بجلوكوما الزاوية المفتوحة في علاج هذا النوع أيضاً.
  • الجلوكوما ضيق الزاوية أو الجلوكوما الحادة: في هذا النوع من الجلوكوما، يتجمع السائل في غرفة العين الأمامية نتيجة انسداد الزاوية لتغطيتها بقسم من القزحية (جزء العين الملون) ولذلك لا يستيطع السائل الوصول إلى شبكة التصريف ويبقى داخل العين. ويلاحظ عند هؤلاء المرضى ارتفاع حاد وفوري في ضغط العين. تتضمن علائم هذا النوع من الزرق الألم الشديد والشعور بحالة من الغثيان بالإضافة إلى احمرار العينين وضبابية الرؤية. بالطبع تعد الجلوكوما مغلقة الزاوية إحدى طوارئ طب العيون ويتوجب خضوع المريض فيه للعلاج على الفور وبدون أي تأخير. وفي حال عدم العلاج قد يعاني المريض من فقدان البصر خلال مدة لا تتجاوز اليوم الواحد إلى الاثنين. تعمل الجراحات الليزرية الفورية على حل مشكلة الانسداد الحاصلة وإنقاذ المريض من العمى الكامل.
  • الجلوكوما الخلقية: يعاني بعض الأطفال وبسبب وجود اختلال خلقي عند الولادة في زاوية العين من الجلوكوما. وفي العادة يعاني هؤلاء الأطفال من علائم واضحة كالعيون الضبابية (Cloudy Eye)، الحساسية تجاه الضوء وتدميع العين الشديد. تستخدم العمليات الجراحية كتقنية رئيسية في علاج الجلوكوما الخلقية بسبب عدم المقدرة على متابعة حالة الجلوكوما عند الأطفال وصعوبة الاستفادة من هذه الأدوية في مرحلة الطفولة. ويمتلك الطفل المصاب احتمالاً كبيراً بتمتعه بمدى وحدة رؤية طبيعية في حال خضوعه للعلاج الجراحي على الفور بعد تشخيص الجلوكوما الخلقي.
  • الجلوكوما الثانوي: الجلوكوما الثانوي عبارة عن عارضة لمرض عيني آخر. ينشأ هذا النوع من الجلوكوما في أكثرية الأحيان كعارضة لعمليات جراحة الساد المتقدمة، الصدمات العينية، بعض من الأورام الالتهابات العينية (التهاب القزحية). يوجد نوع آخر من الجلوكوما باسم الجلوكوما الصبغية (Pigmentary Glaucoma)، يحصل عند انفصال الصبغة عن القزحية وتسبب انسداد لزاوية العين وتمنع مرور السائل منها. كما يوجد نوع آخر من الجلوكومات الشديدة باسم جلوكوم الأوعية الدموية (Neovascular Glaucoma) والمرتبط بمرضى داء السكري. كما يمكن للأدوية الستيروئيدية (التي تحتوي مادة الكورتيزول) والمستخدمة في علاج الالتهابات العينية وغيرها من الأمراض الأخرى، التسبب ببداية الجلوكوما بنسب مئوية منخفضة.