انحراف العين (الحول)

ما هو الحول؟

الحول عبارة عن حالة طبية خاصة لا تتموضع فيها العينين على محور واحد حيث لا تتناسب حركات العينين مع بعضها عند التحديق في الجهات المختلفة. ويمكن مشاهدة الانحراف العيني بوضوح في بعض الحالات وقد تظهر في حالات معينة فقط وتختفي. فعند النظر إلى الأمام مباشرةً، نلاحظ تموضع إحدى العينين للأمام في حين تتحرك العين الأخرى إلى الداخل، الخارج، للأعلى أو الأسفل.

ويعد الحول أحد أكثر المشاكل العينية رواجاً عند الأطفال حيث تصل نسبة الأطفال المصابين بالحول (الذكور والإناث) تحت سن الستة أعوام إلى الـ 4 بالمئة، كما يمكن لعلائم الحول بالظهور عند الأطفال الأكبر سناً. ويصيب الحول ذكور وإناث الأطفال بنسبة واحدة وقد يعود في بعض الحالات لعوامل وراثية حيث شوهد رواج الحول لدى العديد من العائلات. ومع ذلك لم يتم العثور على سابقة عائلية لبعض المرضى المصابين بالحول.

الجهاز البصري والدماغ

في الرؤية الطبيعية وعندما نقوم بالتركيز بكلتي العينين على رؤية نقطة واحدة، يعمل الدماغ على تركيب ودمج الصور المرسلة من كلتي العينين لإنشاء صورة واحدة ثلاثية الأبعاد.

عندما تنحرف إحدى العينين عن محورها الطبيعي (الأمر الحاصل عند الإصابة بالحول)، يتم إرسال صورتين مختلفتين عن نفس الجسم إلى الدماغ. لدى الأطفال، يتعلم الدماغ عند الإصابة بالحول عدم إيلاء الأهمية للصور المرسلة عن العين المصابة ويعالج الصور المرسلة من العين السليمة فقط، في هذه الحالة وحتى مع وجود الرؤية المزدوجة في بدايات المرض، يقوم الدماغ بالتطابق مع الحالة الموجودة بسرعة ويفقد الطفل المقدرة على الاحساس بعمق الأشياء والأجسام من حوله.وأما بالنسبة للبالغين المصابين بالحول العيني الإكتسابي، يعاني البالغين المصابين في أكثر الحالات من الرؤية المزدوجة لأن الدماغ يقوم بمعالجة الصور المرسلة من كلتي العينين معاً ولا يستطيع التأقلم مع الوضعية الجديدة من خلال حذف الصور المرسلة من العين المصابة. للأسف وعند الأطفال يعتاد الدماغ وبسرعة على حذف الصور المرسلة من العين المصابة بالحول مما يؤدي للإصابة بكسل العين أو الغمش في سنين مبكرة.

كسل العين (الغمش)

يعمل التموضع السليم للعينين أثناء مرحلة الطفولة على نمو وتكامل الجهاز البصري وتوفير حدة الرؤية المناسبة في هذه المرحلة المهمة من العمر. إلا أن لاختلالات حركات العين أثناء مرحلة الطفولة كما سبق وأشرنا في الحول، آثار منفية على الجهاز البصري وتسبب انخفاض حدة الرؤية أو كسل العين، حيث ينتقي الدماغ الصور الأفضل الواصلة من إحدى العينين ويقوم بحذف الصور الواصلة من العين الكسولة. ويصاب أكثر من نصف الأطفال المصابين بالحول بأنواع كسل العين المختلفة.

يمكن علاج كسل العين أو الغمش عن طريق إغلاق العين السليمة وتحسين حدة ومعدل الرؤية في العين الأخرى الضعيفة. يمكن علاج كسل العين بسهولة وبمعدل نجاح عالي في حال تشخيص كسل العين في سنين الطفولة المبكرة، وقد يتحول انخفاض حدة ومعدل الرؤية إلى عارضة دائمة في حال التأخر في تشخيص الغمش أو علاجه. في الحقيقة نحصل كلما أسرعنا في علاج العين الكسولة في النتيجة على حدة رؤية أفضل.

أسباب وعلائم الحول

تعتمد حركات العين المختلفة على ستة عضلات عينية موزعة على أطراف العين، تتعهد إحداها تحريك العين إلى اليمين وأخرى إلى اليسار، وتقوم العضلات الأربع المتبقية بتحريك العين إلى الأعلى، الأسفل وإلى الزوايا. ويتطلب تركيز كلا العينين على نقطة واحدة تناسق عمل وحركات العينين بالإضافة إلى العضلات المرتبطة بهما. كما يلعب تناسق عضلات العين وعملها دوراً مهماً أثناء تحريك العينين لرؤية الأجسام حولنا. يعمل الدماغ على التحكم بحركات العضلات الستة ويسبب اختلال عمله أو أي اختلال حاصل في حركة العضلات المذكورة الحول.

يلعب الدماغ دوراً مهماً في التحكم وتنسيق حركات عضلات العين المختلفة، لذلك يعاني أكثرية الأطفال المصابين بالاختلالات الدماغية مثل الفلج الدماغي، التخلف العقلي، استسقاء والأورامالدماغية من الحول بأنواعه المختلفة. يمكن أيضاً لكافة الأمراض العينية والتي تسبب التناقص في حدة وضعف البصر كالعيوب الانكسارية،الكتاراكت أو الساد أو الإصابات العينية والعديد من الاختلالات الأخرى التسبب بالحول.

في الحقيقة تعد حركات العين غير المتناسقة العلامة الرئيسية والأصلية لدى الأطفال المصابين بالحول. في بعض الحالات يقوم الطفل بإغلاق إحدى عينيه تحت أشعة الشمس وفي بعض الحالات الأخرى يعمل على إمالة رأسه في محاولة منه للاستفادة من كلتي عينيه للتركيز بنظره على جسم أو شيء ما. كما يمكن للحول التظاهر على شكل إرهاق وتعب شديد أو آلام في الرأس عند القيام بالأنشطة التي تتطلب حدة الرؤية أو ظهور أعراض فقدان الاحساس بالعمق المناسب أثناء اللعب أو التقاطه الأجسام المختلفة. ويعاني البالغين المصابين بالحول بصورة رئيسية من إزدواجية الرؤية.

التشخيص

من الضروري واللازم خضوع الأطفال أثناء مرحلة الرضاعة أو قبل دخول المدرسة للمعاينات الطبية العينية من قبل متخصصي الأطفال، أطباء الأسرة أو متخصصي العينية، لتشخيص المشكلات الاحتمالية ومحاولة علاجها في سن مبكرة. تحتل هذه المسئلة أهمية خاصة في حال إصابة أحد أفراد العائلة بالحول (الانحرافات العينية) أو كسل العين. يصعب أثناء مرحلة الرضاعة، تحديد الاختلاف بين الحول الكاذب عن بقية أنواع الحول المرضية حيث يتمتع الأطفال حديثي الولادة بأنف عريض بالإضافة إلى تواجد طيات جلدية على القسم الداخلي من الجفن والتي تسبب انحراف عيني الطفل عند النظر إلى جهتي اليمين واليسار. بالطبع يزول هذا النوع من الحول والمسمى بالحول الكاذب تدريجياً مع نمو وتكامل الطفل في حين لا يرتبط الحول الحقيقي بنمو الطفل على الإطلاق. يمكن لمتخصصي العينية التمييز بين نوعي الحول الكاذب والحقيقي بعد المعاينة والفحوصات.

علاج الحول

يهدف علاج الحول إلى الحفاظ على معدل وحدة الرؤية، تناسق حركات العينين وإعادة تأهيل البصر في كلتي العينين. وعلى اختلاف نوع وعامل الحول، تحتلف أيضاً التقنيات العلاجية المستخدمة حيث يمكن اختصار العلاج على الاستفادة من النظارة الطبية، علاج الكتاراكت أو الساد أو التخلص من كافة العوامل المسببة للحول كتعديل الموقعية غير المتناسقة للعضلات المحركة العينية. بعد المعاينة العينية الدقيقة والتي تتضمن فحص أجزاء العين الداخلية، يعمل طبيب العينية المتخصص على اختيار نوع العلاج المناسب البصري، الطبي أو الجراحي. وفي العادة يلجأ الأطباء إلى إغلاق العين السليمة لتحسين دقة ومدى الرؤية في العين الكسولة.

  • الحول الإنسي الداخلي الخلقي (انحراف العين إلى الداخل)

انحراف العين إلى الداخل، ويعد الحول الإنسي الداخلي من أكثر أنواع الحول شيوعاً عند الأطفال حديثي الولادة. لا يستطيع الأطفال المصابين بالحول الإنسي الداخلي الاستفادة من كلتي العينين معاً في الرؤية على الإطلاق.

ويعمل الأطباء في أكثرية حالات الحول الإنسي الداخلي لتنسيق حركات العين، توفير الرؤية الطبيعية واجتناب الانخفاض الدائم لحدة الرؤية إلى التقنيات الجراحية في سنين الطفولة المبكرة. أثناء جراحة إصلاح الحول الإنسي الداخلي، يتم تنظيم ومعادلة القوى العضلية في عين واحدة أو في كلتي العينين. فعلى سبيل المثال قد يلجأ الجراح في عملية إصلاح الحول الإنسي الداخلي إلى فصل العضلة العينية الداخلية عن كرة العين ووصلها مجدداً بعد تغيير مكانها الطبيعي للخلف قليلاً، تسبب هذه التغييرات ضعف في عمل وقوة هذه العضلة وتمنح العين القدرة على الدوران إلى الخارج. في بعض الحالات ولتسهيل حركة العين إلى الخارج، يمكن أيضاً تقصير عصلة العين الخارجية مما يعمل على زيادة قدرتها وقوتها.

  • الحول الإنسي التكيفي

أحد أنواع الحول الشائعة لدى الأطفال المصابين بمد البصر من سن الثانية من العمر وما فوق. وفي هذا النوع من الحول يمكن للأطفال صغيري السن ولتحسين الرؤية، زيادة قدرة المطابقة مما يسبب انحراف العينين إلى الداخل أي بعبارة أخرى وللحصول على رؤية شفافة للأجسام البعيدة أو القريبة، تنحرف إحدى العينين للداخل. يمكن علاج هذا النوع من الحول عن طريق الاستفادة من النظارات الطبية أو النظارات الطبية ذات العدسات ثنائية البؤر.

تعمل النظارات الطبية في هذه الحالة من الحول على تخفيض قدرة المطابقة وتحريك العينين إلى الوسط. في بعض الحالات الخاصة من الضروري ولتحسين ميزان الرؤية الاستفادة من النظارات ذات العدسات ثنائية البؤرة (الموضحة في الشكل)، كما يمكن الاعتماد على القطرات العينية أو نوع من العدسات المنشورية الخاصة (Prism). وقد تعمل التمرينات العينية في بعض الحالات على إصلاح تناسق حالة العينين لدى الأطفال الأكبر سناً.

  • الحول الوحشي

نوع آخر من أنواع الحول الشائعة عند الأطفال. وفي هذا النوع وعند تركيز الطفل على جسم ما خاصةً الأجسام البعيدة عن العين، تنحرف إحدى العينين إلى الخارج (بعيداً عن الأنف). ويمكن لهذا النوع من الحول الظهور بصورة متقطعة (Intermittent) خاصة عند الإرهاق أو الإصابة بالمرض. ويمكن أن تنحصر علائم هذا النوع من الحول في إغلاق العين عند التعرض لإضاءة الشمس فقط. يعتمد علاج هذا النوع من الحول على النظارة الطبية، تمرينات عضلات العين وتغطية العين بضماد في الحالات الخفيفةللتحكم في درجات دوران العين إلى الخارج، ولكن وفي أغلب الحالات قد يضطر الأطباء خاصةً في الحالات الشديدة إلى استخدام التقنيات الجراحية.

تقنيات علاج الحول الجراحية

لا يعمل أطباء جراحة العينية وفي أي عملية جراحية عينية على إخراج كامل كرة العين من مكانها الطبيعي. وفي الحقيقة تقتصر عملية علاج الحول الجراحية على استحداث شق جراحي صغير في الأنسجة المغطية للعين والذي يسمح للطبيب بالوصول إلى عضلات العين التحتية والمرتبطة بكرة العين. تختلف العضلة التي تحتاج إلى التعديل والجراحة على اختلاف نوع الحول وجهة دوران العين، وفي بعض الأحيان من الضروري خضوع كلتا العينان للعملية الجراحية في آن واحد.

تحتاج العملية الجراحية إلى التخدير الكامل عند الأطفال في حين تقتصر على التخدير الموضعي فقط عند البالغين.

تتميز عمليات الحول الجراحية بالتحسن السريع، حيث يستطيع المريض وخلال مدة وجيزة لا تتجاوز عدة أيام باستئناف أنشطته وفعالياته الطبيعية من جديد. قد يضطر المريض بعد عملية علاج الحول الجراحية إلى الاستفادة من النظارات الطبية أو المنشورية. وفي بعض الأحيان تتجاوز أو تنخفض درجة تعديل العضلات عن المستوى المرغوب، الأمر الذي يؤدي إلى ضرورة خضوع المريض لعملية جراحية أخرى.

يوصي الأطباء خضوع مرضى الحول لعمليات علاج الحول الجراحية في سنين مبكرة وعلى الفور بعد التشخيص النهائي لمنح الاطفال الرضع الزمن والوقت اللازم لنمو وتكامل جهازهم البصري، كما يسبب الحول من الناحية الأخرى مشكلات نفسية للطفل قد تسبب زعزعة ثقته بنفسه.

وكأي عمل جراحي آخر، لعملية علاج الحول الجراحية آثارها الجانبية. تتلخص أعراض عملية علاج الحول الجراحية بالالتهابات، النزيف وغيرها من الأعراض الجانبية النادرة الحدوث والتي قد تسبب الفقدان الكامل للبصر. ومع ذلك، تعد عمليات علاج الحول الجراحية من التقنيات الآمنة والعلاجية المؤثرة إلا أنها لن تأخذ مكان النظارة الطبية أو تعمل على علاج العين الكسولة على الإطلاق.

النتيجة

  • لا يعمل نمو وتكامل الطفل على علاج الحول الحقيقي تلقائياً
  • يعد علاج الأطفال المصابين بالحول في سنين الطفولة المبكرة من أهم عوامل نجاح العلاج
  • يمكن إصلاح وضعية العينين في أي سن للطفل
  • يمكن الاستغناء عن العلاج الجراحي للحول من خلال الاعتماد على القطرات والتمارين العينية أو النظارات الطبية
  • في حال الحاجة إلى عمليات علاج الحول الجراحية، كلما كان الطفل أصغر سناً كلما ازدادت احتمالية امتلاكه لحدة ومعدل رؤية طبيعية في المستقبل